سقوط الصور النمطية تفتح مسارات للتعاون بين العلم والدين
كتابة: إيلين هوارد إيكلوند*

اجتزأ عالم أحياء في المملكة المتحدة من راتبه للسماح لزميل باحث للاستمرار في وظيفته.
ويقول باحث في الولايات المتحدة أن إيمانه يدفعه نحو مشاريع يمكن أن تفيد الأطفال المحرومين.
وبعد أن أنفق باحث في الهند نحو مليون دولار على صناعة مجهر، بدأ يُحدث نفسه: “ولكن إذا خرجتُ من باب جامعتي…ووصلت إلى مفترق الطرق سترى مجموعة من الأطفال في حاجة إلى ملابس يضعونها على ظهورهم…فتُفكر فورا “لقد أنفقتُ مليون دولار، وأنا أفضل استخدام هذه الأموال بطريقة أفضل، ومن الأفضل للشخص أن يُفيد الناس في المستقبل، وإلا فقد كان من الممكن أن يتم إنفاق هذا المال بطرق أخرى “.
هناك بعض الأصوات للتفكير العقلاني والأخلاقي في جميع أنحاء العالم والتي استمعتُ إليها في اثنين من المشاريع البحثية الكبرى التي قامت بمسح أكثر من 24000 من العلماء، مع ما يقرب من 900 مقابلة معمقة.
ما لم أسمع من عالم واحد – سواء كانت متدينا أو غير متدين – اعترافا بأن ما يقومون به ما هو إلا تطبيق لقواعد مقبولة عالميا أثناء
إجراء أبحاثه
فكرة أنهم سيقومون بأنواع مختلفة من العلم هو أمر مسيء للعديد من العلماء المتدينين ، وتكون إجابة هؤلاء العلماء حين تسألهم: “أنا أحد العلماء في جامعة محترمة جيدا، وبطبيعة الحال أنا أقوم بأبحاث علمية كأي عالم آخر”
ولكننا نعيش في عصر ما زالت الهوة المفترضة بين العلم والدين في المجال العام مُكرسة على الرغم من عدم اتساقه مع معظم ما يعتقده فعلا العلماء في جميع أنحاء العالم.
جزء من هذا يغذيه علماء مشاهير مثل “ريتشارد دوكينز”، الذي جذب انتباه وسائل الإعلام بحجم غير متناسب عن طريق إدانته الاستفزازية للدين “باعتباره دجال نشط والخبيث”.
ولكن هنالك أدلة جديدة تكشف عن صورة أكثر تعقيدا للعلاقة الموجودة بين هذه القوى الاجتماعية.
وجد فريق البحث في دراسة الدين بين العلماء في السياق الدولي لثمانية مناطق أن أغلبية العلماء يعتبرون أنفسهم إما متدينين أو روحيين، أو كليهما، وهذا في جميع المناطق باستثناء الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا.
في الهند، أكثر من نصف العلماء يُصَلُّون كل أسبوع أو أكثر، وفي تركيا، اثنين من كل خمسة علماء يصلون عدة مرات في اليوم.
وفي الوقت نفسه، أصبح العديد من القادة الدينيين حلفاء كبار للعلم في مُعارضة تدريس نظرية الخلق في المدارس العامة، وفي انخراطهم في تبني التحذيرات العلمية حول قضايا مثل تغير المناخ.
في رسالته الأخيرة عن البيئة، البابا فرانسيس، الزعيم الروحي لحوالي 1.2 مليار كاثوليكي، حثَّ على العمل على أسس أخلاقية وإتباع “إجماع علمي متين للغاية” بشأن ظاهرة الاحتباس الحراري.
ومع ذلك لا يزال هناك مستوى عال من الشك وعدم الثقة بين العديدين من كلا جانبي الحوار بين العلم والدين.
وفي حال ما تُرك هذا الشك فإنه يمكن أن يضُرَّ بالتطورات العلمية عن طريق شُحِّ في التمويل العام للبحوث العلمية وكذا في خلق صراع مدني في مجالات من التعليم العام والنقاشات السياسية حول الهندسة الوراثية وأبحاث الخلايا الجذعية الجنينية البشرية.
إن التنوع المتزايد التي أنتجته عولمة العلم، وحقيقة أن الأجيال الشابة من العلماء هي أقل تعلُّقا بالانقسامات القديمة، هذا من بين التطورات التي تُقدِّم الأمل لعلاقة أكثر إنتاجية بين العلم والدين.
لا التحيُّز الذي مفاده أن جميع المتدينين أصوليون أو أن جميع العلماء نفعيون يستطيع الصمود أمام بحث وتقصِّ سريعين.
غربلة الأفكار النمطية
لا يوجد نموذج واحد للعلاقة بين العلم والدين.
إن البحث الدولي بشأن الكيفية التي ينظر بها العلماء إلى الدين والمتدينين إلى العلم يُساعدنا على فهم تعقيد الحوار بين العلم والدين، وكيف أنه يختلف بسبب مجموعة متنوعة من التأثيرات الثقافية والسياسية والدينية والعلمانية في كل دولة.
في هونغ كونغ، أين تُدرِّب المدارس المسيحية النخبة الأكاديمية وأين يعتنق العلماء المسيحية في الخارج خلال دراسات الدكتوراه وما بعد الدكتوراه، نجد أن العلماء هم أكثر تديُّنا مقارنة مع عامة السكان. في تركيا، تظهر التوترات بين الدين والعلم على خلفية جدال سياسي أكبر عن دور الإيمان في ما كان ذات مرة تُعرف بالدولة العسكرية العلمانية.
في دولة جِدُّ دينية مثل الهند، يُظهر بعض العلماء تفهُّما لمعتقدات الموظفين من خلال السماح بعقد طقوس مثل طقوس المُباركة لمعدات المختبرات.
ولكن يُمكن كشف زيف عدد قليل من الافتراضات، بما في ذلك أسطورة شعبية مفادها أن العلم والإلحاد يشُدُّ بعضه بعضا.
ويمكننا أن نرفض الفكرة التي مفادها أن المخاوف بشأن الدين والعلم هي متجانسة من الجانبين.
في المقابل، أعداد كبيرة من العلماء هم الآن أكثر انفتاحا على الحوار.
في استطلاع للرأي شمل العلماء في الولايات المتحدة، قال أحد العلماء الموحدين-الكونيين أن الأصوات الحزبية تفرض حدودا على التفاهم.
قال العلماء: “هناك الكثير من الأدلة على أن الناس يعملون بذكاء وإبداع من الجانبين أو يعملون مع وجهتي نظر مختلفتين حول المسألة محل النقاش.”، مُضيفين: “إنه أكثر نفعا أن تستخدم كل الأدوات المتاحة لدينا، متدينين وعلميين، للإجابة عن هذه الأسئلة العميقة، وعدم استخدامها للوقيعة بيننا.”
علامات مُشجِّعة
هناك العديد من المؤشرات التي تبشر بالخير.
أحدها، تجري الآن المزيد من الأبحاث حول الدين والعلم. وقد تم إنشاء شبكة للدراسات العلمية الاجتماعية عن العلم والدين عام 2011.
والمواقف العامة تتغير حتى في الدول المتديِّنة للغاية.
في استطلاع للقيم العالمية لسنة 2005، حوالي سبعة من كل 10 مشاركين من الهند وافقوا على المقالة الآتية: “نحن نعتمد كثيرا على العلم ولا نعتمد كفاية على الإيمان”. بحلول عام 2014، تبنى 41 في المئة فقط نفس الرأي.
في تركيا، وصف أقل من نصف المشاركين في عام 2014 أن اعتمادهم على العلم “كبير جدا”، مسجلين انخفاضا واضحا بعدما قارب من الثلثين عام 2005.
ووجد باحثون أيضا أن الشباب داخل وخارج مجال العلم أكثر انفتاحا على كلا الحقلين.
وفي تحليلهم لبيانات دراسة وطنية عن الشباب والدين في الولايات المتحدة، أقر باحثون أن نتائجهم “تشير إلى أن زيادة التدين بين البالغين يرتبط مع اتفاق أقوى بين العلم والدين، بدلا من الصراع بينهما.”
بعض القادة الرئيسيين في الجهود المبذولة لتحقيق الاحترام المتبادل هم ما أوَدُّ أن أشير إليهم على أنهم رواد الحدود، إنهم العلماء المرموقون الذين هم على استعداد للتحدث بصراحة عن كيفية التوفيق بين عملهم وإيمانهم.
هذه ليست مناقشات فلسفية على مفاهيم مجردة فقط. إن رهانات الحوار بين العلم والدين هي رهانات كبيرة.
يمكن أن يكون لتجاوز العداء إلى علاقة أكثر احتراما العديد من المزايا، بما في ذلك:
- إنشاء هيئة متنوعة من العلماء: إن جو العداء العلني أو الخفي تُجاه طلبة المدارس الدينية قد يحُدُّ بشكل كبير من عدد المرشحين المحتملين في الميدان، كما يؤدي إلى إبعاد الأفراد الذين يمكن أن يكونوا سفراء أكفاء للعلم بالنسبة لفئات اجتماعية رئيسية.
- إثراء التعليم العام: العمل على الوصول إلى إجماع يمكن أن يُساعد إنتاج مناهج قائمة على أحدث المعارف العلمية، وكذا فتح محادثات الفصول الدراسية على الآثار الأخلاقية المترتبة على التقدم التكنولوجي.
- تعزيز التمويل الحكومي للعلم: إن القدرة على تأمين التمويل العام للعلوم من بين العديد من الاحتياجات المتنافسة في الديمقراطيات والتي تعتمد على توفُّر دعم واسع النطاق.
- تعزيز الحوار المدني حول المخاوف الأخلاقية: وهذا يسمح للمناقشات السياسة العامة في مجالات مُعينة مثل الهندسة الوراثية من تحقيق التوازن بين قيمة هذه البحوث مع الأخذ بعين الاعتبار العواقب الأخلاقية المحتملة على المواطنين الضعفاء.
- بناء التحالفات لمعالجة قضايا مثل ظاهرة الاحتباس الحراري وتغير المناخ:
الجانب الآخر للدخول في الحوار هو تزايد الصراع حين يتراجع العديد من أعضاء الأوساط العلمية والدينية إلى شرانقهم المُحصنة بالتحامل والخوف.
لن يكون هذا سهلا.
قد يكون التقدم في الحوار بين العلم والدين في جزء كبير منه يعتمد على فضيلة يُطالب بها كل من الجانبين والتي كثيرا ما تُفتقد في هذه الحوارات وحوارات عامة أخرى اليوم.
إنها فضيلة التواضع، وبشكل أكثر تحديدا، التواضع الفكري، والقدرة على أن تكون مُنفتحا على الأفكار الجديدة وإجراء تقييم دقيق لنقاط القوة والضعف لأفكارنا وأفكار الغير على حد سواء.
ومع ذلك، فإن القصة الني يجب أن تقال ليست قصة صراع حتمي بين الدين والعلم، ولكن قصة من الفرص الجديدة للطرفين على حد سواء لأن يكونا مصدرين لضوء يتجاوز ظلام الانقسام وهذا لخدمة الصالح العام.
* “إيلين هوارد إكلاند”، مؤلف كتاب “العلم في مقابلة الدين: ماذا يعتقد العلماء فعلا”، وهو رئيس “هربرت أس أوتراي” في العلوم الاجتماعية، أستاذ علم الاجتماع ومدير “برنامج الدين و الحياة العامة في “جامعة رايس”.